محمد جربوعة
رغم أن كتاباتي تثير الكثير من الجدل واللغط ،فلا بد أن أكتب ،لإيماني بأن ما أقوله للآخرين هو ما يقوله كل عاقل لنفسه حين يخلو بها دون مكابرة .
رغم كل ما قد يقال عن ثورات الأقطار العربية ضد الاحتلال، الثورة الليبية ضد الطليان، الجزائرية والسورية ضد فرنسا، المصرية ضد الإنجليز، إلا أنّ تلك الثورات كانت دليلا على حياة الشعوب في تلك الأقطار..
اليوم أحاول مليا تأمل الواقع العراقي...
واقع بلد لا توجد فيه ثورة شعبية ..وقف عملياتها ولو على سبيل كشف حقيقة ما يحدث في العراق، لأدرك العالم كله أن الساحة العراقية لا تعيش ثورة ضد الاحتلال أبدا كما يقال.
لا يهمني أن يغضب مني عراقي لا توجد على كتفه بندقية،مهما كان مركزه وانتماؤه ومكان تواجده..
في الخارج هناك ستة ملايين عراقي لاجئ.. وأجزم أن عنصر الذكور البالغين من هذا الرقم سيكون بالتأكيد مليون شخص على الأقل..مليون شخص يعني جيشا لا يهزم...فما الذي يفعله هؤلاء في الشتات والمنافي؟
في الداخل ينخرط السنة مثل الشيعة في حمأة العملية السياسية التي تعني "القبول مبدئيا بالاحتلال"..
وبعيدا عن جماعة المطلك والهاشمي وهلم جرا، فإن من حزب البعث هو الآخر جماعات تحاول الاندساس في ثنايا اللعبة لتحصيل مواقع تدعي أنها تستعملها لصالح العراق وشعبه.. وسرعان ما ينكشف هؤلاء فيشطبون من القوائم أو تتم تصفيتهم..
لم يكن صدام حسين راضيا عن أداء البعث، ولا عن أداء فلول الجيش العراقي المُحل..
كما لم يكن أي عربي غيور أو مسلم صادق راضيا عن الطريقة التي سقطت بها بغداد ..
اليوم ،أين هو الشعب العراقي ؟وأين هي مقاومته؟
الصحوات التي تركت قتال الأمريكيين والمحتلين وتحولت إلى مشروع وهمي يسمى "تصفية القاعدة"؟ أم الأحزاب الشيعية الطائفية الداخلة تحت العباءة الأمريكية لتحقيق مآرب إيرانية؟
أم الأحزاب السنية التي لا تقل هي الأخرى تعفنا وسمسرة وانحطاطا ، والتي تحولت إلى مقابل تناظري لجماعات مقتدى والحكيم ؟!
هؤلاء في الداخل بالملايين..
فإذا أضيف إلى ذلك المشتتون في الخارج وهم ستة ملايين ، فذلك هو الشعب العراقي إلا قليلا ..
لقد ضاع العراق..
والمقاومة التي أذاقت الأمريكيين الويل لم تفعل استراتيجيا أكثر من كونها قدمت خدمة كبيرة لإيران ولأذرعها في الداخل..
صحيح أن حسابات الآخرة والثواب والشرف ليست هي حسابات السياسة، لكن حصة المقاومة من العراق هو موقفها النبيل والواجب الشرعي الذي قامت به، بينما سياسيا ستكون ثمار المقاومة لصالح الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد الاحتلال لكنهم يمتلكون مشروعا ..أقصد إيران وحلفاءها العراقيين الذين هم أيضا حلفاء للسي آي إيه والموساد لاعتبارات عديدة يعرفها العارفون بتركيبة الاستخبارات الإيرانية الممتدة لزمن الشاه ،والتي يوجد من عناصرها في العراق عشرون ألف عنصر.
الآن نتساءل:
ما الذي ينتظره العراقيون والعرب والمسلمون من العراق؟
ما الذي ينتظرونه من ملايين تتراص كالعير في زرائب طائفية تعتبر الاحتلال نعمة، وتعتبر المقاومة عدوا لا بد منه ،فهي تستثمره لصالحها؟!
ما هو المنتظر من ستة ملايين عراقي لا يفعلون شيئا أكثر من التحسر والدخول إلى الشبكة العنكبوتية لكسر الشوق بالدردشات وكسر الحنين بتجميع صور لبغداد القديمة ،كهرمانة،الشورجة....وشارع المتنبي...؟
بل ما الذي ينتظره هؤلاء المنفيون؟وممن ينتظرون؟
وما الذي ينتظره العرب والمسلمون من شعب إذا دققنا في تعداده وجدنا أن نصفه قد خان، وأن النصف الآخر مستكين أو متخبط من حرارة الذبح...؟!
وقد قلت..لا يهمني ما يقول الذي لا يعترف بالحقائق أو يركب النزوات الفاجرة...
لماذا لا تتوقف الجماعات التي يسمونها "إرهابية"، عن عملياتها قليلا، لتترك لنا ولكل العالم الفرصة لنعرف ما الذي قام به الشعب العراقي من أجل العراق...ولنرى إن كانت هناك ثورة شعبية فعلا،أم أن الكل يعتاش من عمليات يصفها بالإجرام لكنه يستمد بقاءه ومناوراته منها، مثلما هو الحال بالنسبة للقاضي والمحامي والشرطي الذين يستمدون خبز عيالهم من "إجرام المجرم"..ولولاه لما كان لهم عمل..
أسأل بصوت منخفض جدا، بعد أن بحت حنجرتي: أين هو الشعب العراقي؟ وأين هو واجبه الديني والقومي والوطني والأخلاقي والرجولي؟
لذلك كنت دائما أقول،أن هناك جماعات مقاتلة رغم حسن نيتها هي مثل البلاك ووتر بالنسبة للسياسة الأمريكية، بلاك ووتر تقاتل والثمار للأمريكيين لأن المعركة معركتهم...
ولذلك أنا لا أومن بالقتال نيابة عن صاحب القضية القاعد..لا أومن بالقتال نيابة عن الشعوب والأمم..
هناك قواعد لا تخطئها نواميس الكون في التغيير، منها:" أنّ أي شخص مهما كان لا يمكن أن يدّعي قدرته على تحرير الأمة،والمصلح الحقيقي لا يقاتل بدلا عن الأمة،بل يحرضها للقتال،ولعل هذا في نظري ما يدور حوله قول الله تعالى : "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون".. أنتم قاعدون ونحن وربنا نقاتل من أجلكم؟الله لا يقاتل عن المستكينين، الله ينصر الذين ينصرونه..
هل من الواجب على المصلحين أن يتركوا رسالتهم في تحريض الأمة وإحيائها واستنهاضها، ليضحوا بدلا عنها؟
وحين يذهب هؤلاء المصلحون فإن الأمة الغافلة لا تلتفت مجرد التفات إلى تضحياتهم،بل قد تعتبرهم مخطئين.
لذلك كان رأيي دائما أنّ الأجدى هو إلزام الأمة بأخذ دورها في الحضارة والصراع والوجود.. لأن الأمة مستشهدة :"لتكونوا شهداء على الناس" وهذه الشهادة تقتضي الحضور،والحضور هو الوجود وهو نواة الحضارة.
إنني مع المقاومة في العراق لسبب واحد، شرعي لا سياسي..تماما مثل الوالد الذي يقف عند عتبة بيته، لا سلاح في يده غير أظافره، لكنه لا يتوقف عن مواجهة ألف جندي مدجج دفاعا عن عرضه..
أعرف أن قضية المقاومة في العراق قضية رابحة بموازين الدين والواجب والأخلاق والشهامة.. ورابحة بمنظور دحر المحتلين الأمريكيين..لكنني أعرف أيضا أنّ هذه المقاومة خاسرة بموازين السياسة ، وموازين اللعبة الإقليمية..
وبين هذين الأمرين وقف صدام حسين..الذي كان يعرف أن العراق قد انتهى في هذه الحقبة..لكن لم يكن هناك مناص من الثبات ، على الأقل وفاء للماضي..
فتحية لمقاومة لا تفعل أكثر من تبييض قعود الشعب العراقي.. وفسح المجال لتحويل العراق العربي إلى ساحة يمد فيها ملالي طهران أرجلهم..
لقد كنا في القطب العربي الإسلامي نقول أن المشكلة لا تنحصر فقط في الحكام،كما يدعي البعض، فهاهو العراق بلا حاكم يمنع الناس من قتال المحتلين، فأين هو الشعب؟وأين هي ثورته؟
لا يهمني كثيرا رد مستضعف في الداخل العراقي مبطوح تقلبه رجل جندي للمارينز ،ليقوم بعدها فينفض التراب عن عباءته العربية ثم يمضي لحاله، ولا رد لاجئ في الخارج ينتظر العودة التي لا تأتي ويستعرض ضدي أسليب الطباق والجناس...
يهمني فقط أن أجد في العراقيين من يفهم ولو مرة واحدة ،أن الثورة الشعبية وأن اهتزاز العراق بنخله وجدرانه وشوارعه هو فقط ما سيرجع العراق إلى أهله.
إن قوتنا في مشروع القطب تكمن في أننا نمتلك فهما عميقا ورأيا دقيقا، حتى إذا كان صفنا حديثا...قوتنا في وضوح الرؤية وفي كوننا نمثل الحل فعلا.. فلماذا يبقى إخواننا هنا وهناك يكابرون بحلول جزئية؟
djamohd@gmail.com